ما طبيعة الرفض القطري..؟ وما هي فرص مواصلة الوساطة..؟ وكيف ستكون خطوات “المرحلة الثانية” من الازمة الخليجية..؟
يمنات
عبد الوهاب الشرفي
انتهت المهلة التي منحها خصوم قطر لتقديم ردها على قائمة المطالب الـ 13 التي قُدمت لها، و بطلب من امير الكويت الوسيط بين الطرفين مدد الخصوم فرصتهم يومين اخرين.
ماطبيعة الرد الذي اعدته قطر و سافر وزير خارجيتها الى الكويت وسلمه لاميرها يوم الاثنين الماضي 3 / 7 / 2017 ؟ وما الذي سيتبع الرد القطري..؟ وهل سيسمح للوساطة الكويتية ان تواصل دورها و صولا للتقريب و وصولا بعد ذلك لحل او ان الازمة ستدخل مرحلة ثانية.. ؟ و ماهي “المرحلة الثانية” التي قد ينفذها الخصوم في حال عدم قبولهم بالرد وعدم سماحهم للوساطة الكويتية ان تواصل مشوارها..؟ هذه هي الاسئلة الملحة و التي تشغل اذهان الجميع من المهتمين بالازمة الخليجية في هذه اللحظة.
طبيعة الرد القطري هو امر قد بات شبة واضح وجرى الرفض على لسان وزير الخارجية القطري بان هذه المطالب اعدت كي ترفض ، وانها مطالب تمس السيادة ولا يمكن القبول بها ، وبالتالي فهذا التصريح الاولي لوزير الخارجية القطري هو بالرفض و يمكن تأكيد تصور الرفض القطري ليس من خلال احتمالات دراسة المطالب وكونها ماسة بالسيادة كما قال الوزير وانما ايضا من الاداء فاستمرار توارد القوات التركية الى قطر هو مظهر عملي للرفض و مظهر من مظاهر التحوّط لتبعات الرد الرافض لتلك المطالب.
حتما يظل الرفض الذي اعدته قطر ليس بالحدة الذي تحملها عبارة “رفض المطالب” وهكذا اريد له ان يكون ، فمع كون الرد القطري معروف منذ اولى ساعات تسلمها للمطالب الا انها استنفذت كامل الفرصة المتاحة للرد ليس لليوم الاخير و حسب وانما الى الساعات الاخيرة منه وهذا الامر له اكثر من دلاله مايهمنا هو ان الرد القطري معد بـ”حرفية سياسية” فاستنفاذ كامل الفرصة و في ساعاتها الاخيرة لا يُسلم الرد وانما يتم ابلاغ الوسيط الكويتي بان قطر ستسلم ردها في الغد هو مؤشر قوي بان قطر تتصرف في “مسألة الرد” من مختلف جوانبها وليس فقط من ناحية نص الرد الذي سيعمل على ان ينقل الكرة الى ملعب الخصوم من جديد و من نقطة إظهار “الجدية في الاستجابة”.
اظهار “الجدية في الاستجابة” سيرتكز على ثلاث ركائز اولها سيكون بطلبالتحديد الواضح لاغلب تلك المطالب الواردة في القائمة و المطالبة بالادلة احينا، ويظهر ذلك من احاديث صريحة تكررت اثناء تعليق المسئولين القطريين على القائمة، و ثانيها ايصال رسالة تماثل الحال بين الجانبين في بعض المطالب و لم تكن “فلتة لسان” وزير الخارجية القطري بان قطر هي في اسفل “قائمة” الدول المتورطة الا رسالة للطرف الاخر بانكم ايضا وارطون و بالطبع الامر يحمل التهديد بالذهاب للمكاشفة اذا لزم الامر ولكل ارشيفه بالطبع، و ثالث ركيزة هي القوانين و النظم الدولية و الخليجية التي تحكم المطالبات بين الدول وهو امر ديدن عليه المسئولون القطريون كثيرا.
تواصلات الامير القطري اثناء المهلة و مواصلة وزير الخارجية في رحلاته المكوكية بين العواصم و غيابه حضور تدارس الرد و زيارة وزير الدفاع لتركيا، كلها تقول ان قطر تعي تماما ان المطالب اعدت للرفض وهو امر صرح به وزير خارجيتها و لكن هي ايضا تتصرف في ضوء هذا الوعي، و ما يهمها ليس الرد لانه سياخذ رفضا في كل الاحوال، وانما يهمها الوقت لترتيب وضعها لتطورات الازمة المحتملة التي “فُجرت” في وجهها بصورة مفاجئة، وهذه هي ايضا دلالة اخرى لاستنفاذها لكامل الفرصة حتى اخر ساعاتها وهو احد اهم عوامل تصميمها لردها الرافض بحرفية و المحاول لاعادة الكرة لملعب الخصوم.
كون المطالب اعدت للرفض هو امر واضح وهو واقع تلك المطالب كما يقراءه كل المراقبين السياسيين الغير منتمين لاي من الطرفين ، وهو امر يتعزز بتصريحات قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية الاماراتي بان عدم الموافقة على المطالب يعني “الفراق” وكذلك من تصريحات الجبير التي كانت مباشرة في هذا الصدد وبانه ليس امام قطر الا القبول دون اي نقاش، بل كان الامر واضحا حتى من قبل تقديم المطالب فقد ظلت الدول الخصمة تتخبط في ماهو المطلوب من قطر و لم تقدم شيئا محددا وواضحا وكانت ستمضي في مسارها لولا وقوعها في احراج من العديد من الدول نتيجة فقد المطلب ما دفع الولايات المتحدة للتدخل لـ”لم شعث” الخصوم وطالبتهم بتحديد كل طرف لمطالبه و من ثم تقديمها كتوليفة في قائمة واحدة.
اذا ستكون الازمة الخليجية امام مطالب اُعدّت ليرفضها الخصم اي لم تعدّ للاستجابة و رفض يحاول الاستفادة من مسألة المطالب اي انه لم يعدّ بهدف الاقناع ، و بالتالي فاحتمال اتاحة الفرصة لمواصلة الوساطة مشوارها وصولا للتقريب ومن ثم الحل هو في ادنى مستوياته فالازمة الخليجية ليست ازمة ” تفجرت ” وانما هي ازمة ” فُجّرت ” عمدا وهذا النوع من الازمات عادة ما ينطلق لتحقيق اهداف ونتائج و ليس لتقديم مطالب والتفاوض حولها ، و قد وردت تصريحات لمسئول اماراتي ان الوساطة الكويتية لن تنجح بل انها ” ستزيد الازمة تعقيدا ” و هو امر يبدو طبيعيا كون الوسيط – الكويت – متهمة من الخصوم بقدر ما بذاته تهم قطر ، و لعل فهم الكويت لهذا الامر هو اهم اسباب طلب اميرها مهلة ال 48 ساعة الاضافية لعله يستطيع ان يفعل شئ مع قطر قبل تسليم الرد و انقطاع خيط الوساطة.
انتهاء الـ 48 الساعة و تسليم امير الكويت لرد قطر لخصومها سيكون نقطة في “المرحلة الثانية” من الازمة الخليجية و ليس نقطة ضمن المرحلة الاولى منها، و بالتالي سنكون امام خطوات اضافية ستشهدها الازمة الخليجية والسؤال هو ما هي الصور المحتملة لهذه الخطوات..؟.
بالنظر الى طبيعة الازمة الخليجية التي قلنا انها لم “تنفجر” وانما “فُجّرت” عمدا واستحضارا لحدود امكانية الاطراف و كون قطر نقطة غاية في الخطورة في كل المعادلات الخليجية و العربية و الاقليمية و الدولية و العالمية يمكن القول انه لابد ان رد الخصوم على الرفض القطري سيأخذ مسارين احدهما معلن ومن فوق الطاولة و الاخر سيكون من تحتها وستظهر فقط نتائج ما سيتم في هذا المسار عند إنضاجها.
كانت دول الخصوم قد استنفذت اغلب ماهو متاح لها من قرارات ذاتية و انفرادية – اي الاجراءات التي يمكن لكل منهم اتخاذها بقرار ذاتي و منفرد – منذ اللحضة الاولى ” لتفجير ” الازمة مع قطر وبالتالي لم يعد بيدها الكثير في هذا الجانب وهذا امر يمكن ادراكه من وصول دول الخصوم الى ترحيل المواطنين القطريين منذ البداية و عندما ارادت ان تضيف شيئ ذهبت لترحيل الابل !! ، وفوق كونه لم يعد بيدها الكثير يضل ماهو باقي ضارا بهذه الدول وليس بقطر لحالها ، وبعضها سيكون اكثر ضررا عليها من ضرره على قطر اذا اخذنا في الاعتبار ان ” المرحلة الثانية ” قد تندفع فيها قطر لرد الفعل والتي تحافظ حتى الان على عدم رد الفعل.
هذا القليل من الذاتي و الفردي المتبقي للخصوم هو في غالبه يدخل في زيادة المقاطعة و احكام الحصار ومن امثلته اقرار قوانين عقوبات ، توسيع قوائم الارهاب للمكونات و الكيانات و الافراد ، وقف التعامل بالريال القطري ، تجميد الارصدة القطرية في هذه الدول ، استباحة كلما له علاقة بقطر و يمكن الوصول اليه من اصول و موجودات ، رفع سقف المضايقات لكل من سيبدي تعاطف فضلا عن دعم للخصم ، ضرب حصار اعلامي لمختلف وسائل الاعلام القطرية وذات الصلة بقطر و العمل على حجبها و نحو ذلك ، ويضل الاقدام على هذه الخطوات امر يحمل مخاطرة كبير بالنسبة للخصوم ايضا فقوانين العقوبات يضل لقطر قدرة على فعل المثل ولو بقدر نسبي ، وتوسيع قوائم الارهاب لا جدوى منه وقد تبادل قطر بالمثل كذلك و بالطبع لا يمكن لاي من الطرفين التوغل اكثر في توضيف ملف الارهاب لان الطرفين وارط فيه ويحتفظ باوراق يمكنه استخدامها ضد الاخر ان لزم الامر ، تجميد الارصدة واستباحة الاصول و الموجودات هو امر لقطر مقابلته بالمثل ويضل خاضع لاي طرف هو الذي سيربح اساسا من هكذا اجراءات بمعنى من الذي يمتلك قدرا اكبر منها لدى الاخر ، الحصار الاعلامي ايضا لن يكون ذو تاثير كبير على قطر و امكانياتها ستسمح بان توجد البديل ولو بقدر نسبي كما قد تتوجه لدعم وسائل اعلام خارجية يصعب اتخاذ قرار حصارها دون اغراق الخصوم في مشاكل قانونية و سياسية مع الغير ، و يضل لقطر وسائل اضافية يمكنها ان تستخدمها مثل وقف تصدير الغاز للامارات و ترحيل مئات الالاف المصريين العاملين فيها.
القرارات الجماعية و المشتركة مع الاخرين هو الهامش الذي لازال متاح امام دول الخصوم بقدر اوسع والذي سيلزمها ان تعمل له عبر المسار الثاني ، وهو يتطلب العمل عليه من تحت الطاولة اولا ومن ثم اخراج نتائج ما سينجح الى العلن ، و بالطبع العمل على هذا النوع من القرارات هو امر يحمل قدر كبير من المجازفة و سيحول الازمة الخليجية الى اخطر ازمة خليجية و عربية واقليمية و دولية و عالمية على الاطلاق . وحال هذا النوع هو ايضا كحال النوع الاول من حيث قدرة قطر على الرد بالمثل ولو بقدر ما ، فقطر ليست سوريا المحدودة القدرات و العلاقات و الصلات وليست من يسمون ” الانقلابيين ” في اليمن ، وانما سيكون الصراع هذه المرة بين قدرات متقاربه بنسبة غير قليلة.
القرارات الجماعية هي القرارات المتعلقة بالاوعية السياسية الجامعة ، فالعمل على ” الفراق ” من مجلس التعاون الخليجي هو امر يتطلب ان تُجرّ الكويت و سلطنة عمان لمربع الخصوم مع قطر لتحقيق هذا ” الفراق ” كون القرارات في مجلس التعاون تتخذ بالاجماع وهو امر يبدوا غير ممكن بالطبع – وهذه النقطة هي ذات صله كذلك بغير سياق هذا المقال حول فيما اذا كان توجه دول الخصوم لتوسيع الازمة لتشمل الكويت و عُمان قصدا وبالتالي لن يجد الخصوم افضل من رفضهما مخاصمة قطر كمدخل للتازيم معهما – و العمل على الحصول على “الفراق” من تحت الطاولة هو امر يتطلب العمل داخل بُنية هاتين الدولتين وبالتالي التواجه معها حتما، وفي كل الحالات لن يصب العمل على مثل هذا القرار الا في صالح الخصم – قطر – بدفع دولتين الى مربعه كليا كرد فعل في كل الحالات.
ذات الامر سيصدق بقدر كبير بحق جامعة الدول العربية و بحق منظمة العالم الاسلامي و بحق مختلف الاوعية الدولية والاممية المختلفة ووصولا للوعاء الاممي ، و مثلها مختلف المنظمات و المؤسسات الدولية المختلفة، و ماكان مسارعة الملك السعودي الى دعوة القمة الافريقية للاجتماع في الرياض الا محاولة للتحكم بمخرجاتها في هذا الاتجاه، و بالطبع سيحمل هذا الامر مخاطرة كبير قد تنقل الازمة القطرية الى كل التجمعات المختلفة و مايترتب على ذلك من زيادة في تعطيل هذه الاوعية او زيادة شغلها بما لا طائل منه بعيدا عن مهامها فضلا عن وضع بذور النزاعات واقلها الفتور بين الدول العضوة فيها نتيجة وضعها بين الولاء و المصالح جهة الخصوم او الولاء و المصالح جهة الخصم.
القرارت المشتركة هي القرارات المتعلقة بالدول الاخرى التي ستعمل دول الخصوم من تحت الطاولة للتاثير عليها لتشاركها ذات الموقف تجاه الخصم – قطر – و هذا بالطبع سيكون مكلفا للغاية لانه سياخذ منحى ” شراء المواقف ” وتكاليفه باهضة للغاية وبالطبع لن ينجح الا مع قليل ومع الدول الغير وازنة ، وفي المرحلة الاولى لم يتمكن الخصوم الا من جر دول تظهر خيبتهم اكثر من تعزيز موقفهم كجيبوتي و… ، وما سيتم في المرحلة الثانية سيكون العمل حثيثا في هذا الاتجاه لمحاولة اضافة دول لموقف الخصوم لعزل الخصم ما امكن وسيتحول الامر الى سجال سيادة مع العديد من الدول.
بين الانفرادي و الذاتي وبين المشترك والجماعي هناك مسار متعلق بقانونية التصرفات وهو من اخطر التوجهات لان النجاح بخطوة واحدة فيه يمكّن من بناء خطوات عديدة و ثقيلة على تلك الخطوة ، وهذا التوجه ابرز رجالاته هما الجبير وزير خارجية السعودية و سفير الامارات في الولايات المتحدة ، وفيه يتم استخدام المراكز الاعلامية و القانونية و المنظماتية للتاثير على الرأي العام و كذا شراء سياسيين وو صولا لمحاولة انتزاع مواقف بقرارات لمنظمات متعددة المستويات بما فيها المستوى الاممي ولو فرضنا ان يفلح الخصوم في استصدار قرار ما من اي منظمة يدين الخصم فحينها سيمكن استخدامه لتغير موقف الكثير وضمهم لمربع الخصوم ضد قطر.
المؤشرات كلها تقول ان الازمة الخليجية هي اول خطوة في مخطط كبير و طويل يراد تنفيذه و ليس الامر ازمة يمكن ان تمتص وتمر فضلا عن كونها سحابة صيف ، و “المرحلة الثانية” ستبدأ حتما و القادم سيحمل الكثير من الاثارة والتصدعات و السجال بل والحرب الباردة المباشرة في مختلف الملفات ذات الصلة.
المصدر: الغاية نيوز
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا